الوعد الذي لا يزال مستحقًا لكشمير
بقلم نعمان علي
في 27 أكتوبر 1947، هبطت القوات الهندية في سريناغار. بالنسبة لشعب جامو وكشمير، أصبح ذلك اليوم نقطة تحول – يُذكّر به كيوم كشمير الأسود – حيث انقطع الأمل في تقرير المصير بسبب الوجود العسكري الذي تحول إلى احتلال دام لعقود طويلة.
لم يدع العالم هذه المسألة تمر مرور الكرام. فقد تعهد قادة الهند أنفسهم علنًا بأن يقرر الكشميريون مستقبلهم بأنفسهم، وأُحيل النزاع إلى الأمم المتحدة، التي أقرت إجراء استفتاء تحت إشرافها كآلية قانونية لحل القضية. هذه الوعود، الجادة والملزمة بموجب القانون الدولي، لا تزال غير منفذة، وهذا الفشل ليس مجرد مظلمة تاريخية، بل إنه يؤثر على السلام والعدل والمصداقية الدولية.
في أواخر عام ١٩٤٧ والسنوات التي تلتها مباشرة، أكدت القيادة الهندية، وعلى رأسها رئيس الوزراء جواهر لال نهرو، مرارًا وتكرارًا أن شعب جامو وكشمير سيُسمح لهم بتحديد مصيره. ثم أحالت نيودلهي القضية إلى الأمم المتحدة، التي أصدرت القرار ٤٧ (١٩٤٨) والتدابير ذات الصلة التي نصت على نزع السلاح وإجراء استفتاء تحت إشراف دولي محايد. لم تكن توصيات الأمم المتحدة مجرد دعوات نظرية، بل حددت خطوات عملية لخلق الظروف اللازمة لإجراء تصويت حر. لذلك، تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية ليس فقط تذكر هذه الوعود، بل والعمل على تنفيذها.
بدلاً من إجراء استفتاء ذي مصداقية، عانى الكشميريون من أنماط القمع وتآكل حقوقهم السياسية. وقد وثقت تقارير الأمم المتحدة الموثوقة في السنوات الأخيرة سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان في جامو وكشمير المحتلة بشكل غير قانوني من قبل الهند(IIOJK) تشمل: الاعتقالات التعسفية، والاختفاء القسري، والقيود المفروضة على حرية التنقل والتعبير، وسيادة مناخ الإفلات من العقاب لقوات الأمن. وتؤكد هذه النتائج – التي جمعها مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بعد مراجعة دقيقة – أن المشكلة ليست سياسية فحسب، بل هي إنسانية في جوهرها. كما دعت هيئات حقوق الإنسان الدولية إلى إجراء تحقيق مستقل ومحاسبة المسؤولين؛ وتستحق هذه الدعوات استجابةً أكثر جدية من مجرد مذكرات دبلوماسية خجولة.
تفاقم تآكل الضمانات السياسية في كشمير بشكلٍ جليّ في 5 أغسطس 2019، عندما ألغت نيودلهي الوضع الذاتي المحدود للمنطقة وأعادت هيكلة إدارتها. وقد صاحب هذه الخطوة اعتقالات جماعية، وانقطاع طويل لخدمات الاتصالات، وتعزيز الوجود الأمني، وكل ذلك عمّق الشعور بأن آليات الحكم التمثيلي قد تم إفراغها من محتواها بدلاً من استعادتها. وحذر المراقبون من أن مزيجًا من إعادة الهندسة الإدارية وقوانين الإقامة الجديدة يهدد بتغيير التوازن الديموغرافي وطابع الوادي، مما يثير مخاوف وجودية لدى المجتمعات المحلية. لا يقتصر الأمر على كونه مجرد نقاش حول السياسة الداخلية؛ بل هو تغيير في وضع إقليم لطالما اعتبرته الأمم المتحدة منطقة متنازع عليها.
للتوضيح: إن الدعوة إلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة واستعادة الكرامة السياسية ليست دعوة للعنف أو لزعزعة استقرار المنطقة، بل هي دعوة لاحترام الالتزامات. إنها إصرار مبدئي على أن الحق في تقرير المصير – الحق الذي يقوم عليه النظام الدولي الحديث – يجب ألا يُسمح له بالتلاشي تدريجياً. عندما تصبح الوعود التي قُطعت في فترة ما بعد الحرب مباشرة مجرد هوامش تاريخية ثانوية، تكون العواقب متوقعة: يتفاقم الشعور بالظلم، وتتقلص مساحة الحريات المدنية، وتجد الخطابات المتطرفة أرضية خصبة لها حيثما فشلت القنوات السياسية المشروعة. هذه الديناميكيات مهمة، لا سيما عندما يكون النزاع بين دولتين مسلحتين نووياً.
ينبغي على المهتمين بالقواعد والحقوق التفكير ملياً قبل القبول بأن الانتخابات الروتينية تحت الاحتلال تُعد بديلاً كافياً للاستفتاء الذي وُعد به. فالتصويت الذي يُجرى في ظل وجود عسكري مكثف، مع تقييد الحريات المدنية وحرية الحملات الانتخابية، لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال ممارسة حرة ونزيهة لحق تقرير المصير. لقد نصّ إطار عمل الأمم المتحدة على الإدارة المحايدة ونزع السلاح كشرطين أساسيين – وهي ضمانات إجرائية مصممة خصيصاً لضمان تحديد إرادة الشعب دون أي إكراه.
ما الذي يمكن فعله؟ أولاً، يجب على المجتمع الدولي التعامل مع قضية كشمير كمسألة حقوق إنسان وقانون دولي تتطلب مشاركة متعددة الأطراف. هذا لا يعني فرض حلول دون موافقة الأطراف المعنية؛ بل يعني إعادة تفعيل آليات الأمم المتحدة التي صُممت لضمان إجراء استفتاء نزيه وعادل في جامو وكشمير المحتلة. ثانياً، ينبغي دعم إجراء تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات المبلغ عنها والسماح له بالعمل دون عوائق. ثالثاً، يجب أن يكون الضغط الدبلوماسي مدروساً بحيث لا يكون عقابياً، بل يهدف إلى تهيئة بيئة مواتية لإعادة التأهيل السياسي: إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، واستعادة الاتصالات والحريات المدنية، ووقف التغيير الديموغرافي، وتقديم ضمانات موثوقة للمشاركة السياسية.
بالنسبة لباكستان والعديد من الكشميريين، تُستخدم عبارة دقيقة وصريحة: جامو وكشمير المحتلة بشكل غير قانوني من قبل الهند. أما بالنسبة للجمهور الدولي المطلع على المعايير القانونية، فإن هذه الصياغة تشير إلى الادعاء الأساسي: فرض سلطة فعلية دون موافقة صريحة من المحكومين. كانت قرارات الأمم المتحدة المبكرة تهدف إلى وضع الشعب – وليس نظام الاحتلال – في صميم القرار الذي سيحدد مصيره.
هناك أيضًا ضرورة استراتيجية ملحة. فتجاهل قضية كشمير العالقة لا يمثل فشلاً أخلاقيًا فحسب، بل يشكل أيضًا خطرًا أمنيًا على المنطقة. لا ينبغي أن يكون الخط الفاصل بين دولتين نوويتين مسرحًا للظلم المزمن. وللعالم مصلحة في منع التصعيد؛ ويُعدّ دعم سيادة القانون والعمليات السياسية الموثوقة الطريقة الأكثر فعالية للحد من هذا الخطر.
في كل ذكرى ليوم 27 أكتوبر، يروي الكشميريون القصة نفسها ويطرحون السؤال ذاته: من سيفي بالوعد؟ هذا السؤال ليس مجرد سؤال بلاغي، بل هو مطلب ملحّ للمجتمع الدولي بترجمة تعهداته التي امتدت لعقود إلى إجراءات ملموسة تعيد الحقوق لأصحابها من شعب كشمير الذين هم في قلب هذا النزاع. إن الوفاء بهذا الالتزام سيكون مساهمة مدروسة وقانونية وإنسانية في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وعملاً من أعمال العدالة طال انتظاره.

Related Press release

إحياءً ذكرى “يوم كشمير الأسود” في جدة: الجالية الباكستانية تتضامن مع أهالي كشمير

البيان الصحافي جدة: 27أكتوبر 2025م إحياءً ذكرى “يوم كشمير الأسود” في جدة: الجالية الباكستانية تتضامن مع أهالي كشمير نظمت القنصلية العامة الباكستانية في جدة تجمعاً للجالية الباكستانية لإحياء ذكرى يوم27 أكتوبر باعتباره يوم كشمير الأسود، وذلك في مقر البيت الباكستاني في جدة. وحضر الفعالية عدد من الشخصيات البارزة من الجالية الباكستانية والكشميرية. بدأ الحفل بتلاوة […]

الوعد الذي لا يزال مستحقًا لكشمير

الوعد الذي لا يزال مستحقًا لكشمير بقلم نعمان علي في 27 أكتوبر 1947، هبطت القوات الهندية في سريناغار. بالنسبة لشعب جامو وكشمير، أصبح ذلك اليوم نقطة تحول – يُذكّر به كيوم كشمير الأسود – حيث انقطع الأمل في تقرير المصير بسبب الوجود العسكري الذي تحول إلى احتلال دام لعقود طويلة. لم يدع العالم هذه المسألة […]

كشمير: وعد العالم الغير مكتمل طاهر أيم أعوان

كشمير: وعد العالم الغير مكتمل طاهر أيم أعوان* قبل ستة وسبعين عامًا، في السابع والعشرين من أكتوبر عام 1947، هبطت أولى القوات الهندية في سريناغار. وقد مهدت هذه الخطوة، التي نُفذت تحت غطاء “وثيقة الانضمام” التي تم ترتيبها على عجل، الطريق لواحدة من أكثر المآسي ديمومة في العالم الحديث، وهي حرمان شعب كشمير من حقه […]